Raafat Al-Zerari

Raafat Al-Zerari
كاتب صحفي ومدرب أكاديمي في الصحافة والإعلام الحديث

الأربعاء، 30 أكتوبر 2013

المسؤولية الاجتماعية للصحافي

يعمل تطوُّر وسائل الإعلام، التي تُعَدّ وليدة التقنيات الجديدة، على إفساد ممارسة مهنة الصحافة. هذا عكس الإنترنت: نقع اليوم على الكثير من مصادر “الأخبار” يكاد يوازي عددها عدد الأشخاص المشاركين في الشبكات الإجتماعية، كما أنّ عدد الإعلاميين غير المهنيين يفوق عدد ممتهني المعلومات. من هنا، يجدر بالصحافيين الحقيقيين مراجعة المعايير الضرورية التي ترعى مهنتهم بشكل تصاعدي. 

لا يناضل الصحافي سوى في سبيل القيم الكونية

الصحافي هو لاعب إجتماعي لكنّه ليس لاعباً سياسياً في المعنى المتعارف عليه للكلمة، مع أنّ دوره الاجتماعي لديه وقع سياسي. فالقيم التي تشكّلُ قاعدة عمله المهني هي القيم الشمولية التالية: السلام، والديموقراطية، والحرية، والتضامن، والمساواة، والتعليم، وحقوق الإنسان، وحقوق المرأة، وحقوق الأطفال، والتقدّم الاجتماعي، إلخ. من هنا، تُساهم كتاباته في التحوّلات الاجتماعية والسياسية.
إذا كان الصحافي يُناضل بإسم هذه القيم الكونية، فهو لا يناضل أبداً في سبيل خدمة المصالح الفئوية، والقطاعية، والفردية، أو الحزبيّة؛ وإلاّ سيقع في فخّ التمازج النوعي، ويكون بذلك قيّدَ حريته، وقام بتعريض الثقة التي يمنحها القراء إلى استقلاليته للخطر.
وإذا كان الصحافي منتسباً إلى حزب معيّن – وهذا حقّه المواطني – عليه الامتناع عن جعل مهمته في خدمة حزبه، وبشكل خاص، نقل مواقف حزبه في صحيفته. في الواقع، تمنع الشرعات التحريرية هذه الانحرافات إذ تمنع الصحافي المنتسب إلى حزب ما أو إلى نقابة معيّنة من التدخّل في معالجة المعلومات ذات الصلة بهذا الحزب أو بهذه النقابة. 

رأي الصحافة ليس خروجاً عن القاعدة

غالباً ما يُدفَع الصحافي المناضل في سبيل القيم الإنسانية إلى المجاهرة بمعارضته للسلطات التي تقوم بانتهاك هذه القيم أو بضربها عرض الحائط. وأحياناً، يدفع حياته ثمناً لذلك. لكن، حتى في حالات التوترات الشديدة، لا يسعه الخروج عن القواعد الأخلاقية التي تفرض عليه احترام كافة القناعات، وكافة المعتقدات، وكل أشكال التعبير، بما في ذلك تلك التي تدّعي كبت أشكال التعبير الخاصة به. يسطّر الصحافي المناضل، المتعلّق بالقيم الكونية، مسيرته الصحفية، بشكل خاص، بشرف إعطاء الكلمة لمعارضيه وبالتحلي بالتسامح إزاءهم في تحليلاته وتعليقاته.

هناك العديد من النصوص المرجعية

  • ميثاق الواجبات المهنية للصحفيين الفرنسيين (1918).
  • مدونة قواعد سلوك الصحفيين الأمريكيين (1926).
  • مدونة قواعد سلوك الصحفيين البريطانيين (1938).
  • إعلان المبادئ الصادر عن الاتحاد الدولي للصحفيين بشأن سلوك الصحفيين، والمعروف بـ “إعلان بوردو” (1954).
  • الإعلان المتعلق بحقوق وواجبات الصحفيين، والمعروف بـ “إعلان ميونيخ” (1971).
  • قانون الصحافة الألمانية (بريس كودكس، 1973). 
  • إعلان اليونسكو حول وسائل الإعلام (1983).
  • قرار المجلس الأوروبي حول أخلاقيات الصحافة (1993).

” لا ينبغي الاشتباه بزوجة قيصر…”

يجب على الصحافي الترفّع عن الاشتباه – كما حصل مع بومبي، زوجة قيصر الثانية، التي تمّ نبذُها بسبب إشاعة تافهة ذات الصلة بالخيانة. فالمسؤولية المهنية تقضي بعدم التشكيك في نزاهة الصحفي المهنية. ولا يشتمل ذلك على احترام الحياة الشخصية، واحترام كرامة الأفراد، ورفض الوسائل غير المنصفة، ورفض الترويج للمصالح الخاصة التي تتعارض مع المصلحة العامة فحسب، بل كذلك الامتناع عن أيّ تواطؤ وأيّ حلول وسطى.
***
ما يرفع شأن الحالة الصحفية هو وضع معايير عالية للصحافة المهنية، أقلّه على حدّ تعبير سينيكا: ” الروح السامية تُناسب الحالة المرموقة…” (“Magnam fortunam magnus animus decet”).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق